الشياطين الشعبية.. و الذعر الأخلاقي

الشياطين الشعبية , و الذعر الأخلاقي ..

رؤية اجتماعية , سياسية , قانونية
 

يشير مصطلح الذعر الأخلاقي إلى المواقف الثقافية والاجتماعية , حيث يتم إيلاء اهتمام متزايد ومبالغ فيه لقضية أخلاقية, مصحوبة بمطالب متضخمة , لتفعيل وممارسة خطوات للسيطرة على ما يتم تصويره على أنه خطر صعب ومهدِّد على الأخلاق.

 

يتم تجسيد هذه التهديدات من خلال شياطين شعبية.  الإرهابيين ، المهاجرين ، طالبي اللجوء, و المجرمين.

 تتجسد طبيعة التحدي المهدد بشكل مميز مع ظهور القلق المتزايد والخوف من التهديد الأخلاقي لرفاهية ومستقبل الثقافة أو المجتمع  ، يتم تجسيد هذه التهديدات من خلال شياطين شعبية. يمكن أن تكون هذه الشياطين الشعبية متعاطين للمخدرات ، أو الذين يمارسون السحر و الشعوذة ، تجار الجنس ، السماسرة ، ناقلات الإيدز ، الإرهابيين ، المهاجرين ، طالبي اللجوء, و المجرمين.

ترك مفهوم الذعر الأخلاقي منطقته الخاصة في علم الاجتماع وعلم الجريمة ليصبح شائعًا للغاية. وقد تم تطبيقه على مجالات متنوعة مثل الاحترار العالمي ، والاعتداء الجنسي على الأطفال ، والاتجار بالنساء ، والشغب في كرة القدم ، 11 سبتمبر ...

يتكون الذعر الأخلاقي من لبنات أساسية:

 عدم التناسب في تصوير التهديد الأخلاقي والاستجابات المطلوبة .

القلق بشأن قضية محددة.

وتوافق الآراء بشأن التهديد.

العداء تجاه الشياطين الشعبية.

 الذعر الأخلاقي لا يقف بمفرده ويجب أن يُفهم في العمليات الثقافية والاجتماعية الأكبر المكونة من المفاوضات والصراعات التي تركز على المدونات الأخلاقية.

 في الواقع ، في حين أن الشياطين الشعبية عادة ما يتم تشويهها ووصمها وتشويهها ,كما تمكن الثقافات المعقدة الشياطين الشعبية من القتال. وبالتالي فإن الذعر الأخلاقي هو حدث مهم , ومهم في البناء الاجتماعي للحدود الأخلاقية. يمثل هذا الذعر ردود الفعل وردود الفعل المضادة والتحديات الأخلاقية — التي تقدمها الشياطين الشعبية — إلى النوى الثقافية ، التي تشكل الهياكل الرمزية المركزية للثقافات والمجتمعات.

تداولت وكالات الأنباء التركية اليوم عدة مواقف و تصريحات ,  لسياسيين و رؤساء بلديات و مسؤولين حكوميين , تركزت جميعها على الموقف من اللاجئين السوريين في تركيا , و تم استخدام مجموعة صور نمطية لبناء موقف ( ذعر أخلاقي و شياطين شعبية ) , فمنهم من تطرق للإنفاق الحكومي على اللاجئين ( و هو غير صحيح ) لاستدراج المهتمين بالبطالة و الكساد و التردي الاقتصادي , و منهم من تطرق للغة العربية لاستدراج القوميين الذين يناصبون العداء للقومية العربية , و منهم من تطرق لسلوك اللاجئين الديني لاستدراج حرّاس العلمانية الأتاتوركية , و منهم من استخدم رأي الأطفال لاستدرار العطف الاجتماعي تجاه الأطفال ( تصريح رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو ) .

ترافق هذا الذعر الأخلاقي مع حدثين متزامنين و مهمين , تصريحات وزير الخارجية التركية هاكان فيدان حول التقارب مع النظام السوري و دمج المعارضة مع النظام لقتال ( قسد ) , وافتتاح معبر أبو الزندين بين النظام و المعارضة في ريف حلب .

هذا التزامن يوحي بأن هذه المواقف ليست عبثية , بل هو فعل مدروس و مصمم بشكل ذكي و دقيق ليحقق رد فعل سريع و وفوري من كل الأطراف , و هذا يشي بأن هناك مواجهة سياسية قادمة بين الثورة و السياسة التركية , و هذا يعني أن على الثورة ضبط إيقاعها بذكاء و حكمة و عدم الانجرار إلى المعارك الصفرية , فالحكومة التركية لها إرث من المواقف الصّورية تجاه دعم السوريين , و تدفع باتجاه المعركة الصفرية للتخلي عن تعهداتها و حذف هذا الإرث على مدى تاريخ الثورة , و تتهم الثورة بالتمرد على مصالحها و بذلك تسرّع من " الصفقة " التي تخطط لها بما يخص الثورة و النظام .

أهم نقطة في عملية " الشياطين الشعبية , و الذعر الأخلاقي "  , هو ضياع الحقوق و غياب الشفافية , و بالتالي تمارس الحكومات سياساتها دون حسيب أو رقيب , فهي قد ضمنت التأييد الشعبي الواسع , فلا تخشى المحاسبة , و سيحجم الأطراف الإقليميون و الدوليون عن رفع صوتهم للاعتراض أو المطالبة بحقوق اللاجئين,و بذلك يصبح اللاجيء سجين ينتظر تنفيذ الحكم .
لا شك أن المهجّرون السوريون أصبحوا رهائن على سطح الكرة الأرضية , و يتم استخدامهم كملفات سياسية و اجتماعية , و يتم رميهم متى انتهت الحاجة من وجودهم .

قد نتفهم الصراع السياسي الداخلي في تركيا و موقف أحزاب المعارضة من الحكومة الحالية , لكن النتيجة التي وصلنا لها اليوم سببها هو إحجام الحكومة عن سن قوانين و تشريعات تحمي المهاجرين و طالبي اللجوء بحزم و شفافية , فكثيرة هي القصص التي انتشرت عن المعاملة المهينة التي يتعرض لها اللاجيء في أقسام الشرطة و دوائر الهجرة عندما يكون أمام خصم تركي الجنسية , و ازدواجية التعامل و ضياع حقوق اللاجيء , و مردّ ذلك هو غياب الشفافية و منع المنظمات الدولية و مؤسسات المجتمع المدني من ممارسة أعمالها في الدفاع عن اللاجئين .

إن اتفاقية " أقرة قاد" بين تركيا و الاتحاد الأوروبي في آذار 2018 , تؤكد أن تركيا تحصل على تعويضات مالية ضخمة عن اللاجئين , و هي ملحقة بالاتفاقية السابقة "خطة العمل المشتركة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا الموقعة في أكتوبر 2015" , و تشير الكثير من الدراسات أن وجود السوريون في تركيا كان له أثر على المجتمع التركي من الناحية الاقتصادية والاجتماعية , و ربما استغلال السوريين من قبل أصحاب الأعمال و منحهم أجور متدنية جداَ , قد ساهمت في ارتفاع البطالة بين العمال الأتراك , و هذا لم يكن لو أن الحكومة منحت اللاجيء حقوقه بالعمل و الكسب و أمّنت له الحماية من الاستغلال , كذلك من جانب آخر فإن رؤوس الأموال السورية و الشركات و المصانع التي أقامها السوريون ساهمت بانتعاش الاقتصاد التركي , ناهيك عن الفائدة المالية الضخمة التي حصلت عليها الحكومة التركية من المجتمع الدولي من خلال استخدام ملف اللجوء كورقة إقتصادية و سياسية .

هذه التعقيدات في الملف السوري في تركيا سببها التعقيدات في الملف السوري ككل , و خروجه من يد أصحابه ليقبع على أعتاب السفارات و الخارجيات الدول , و تحوّلت الثورة السورية إلى ورقة مفاوضات و ضغط بين كل القوى الإقليمية و الدولية .

يتحمّل السوريون بشكل عام الجزء الهام من المأساة , نعم هناك أسباب شكّلت أحداثاً فرّغت الثورة السورية من قرارها , كالمال السياسي و الحروب بالوكالة و ساحة الصراع الدوليّة , لكن فشل السوريون في بناء تمثيل داخلي لهم مبني على خطة محكمة و مطالب قانونية و دستورية , تجعل من الثورة مشروع تغيير محكم الأطراف .

الظروف الحاليّة في الداخل تشي بحرب أهلية , فسلطات الأمر الواقع تحولّت إلى قوى استبداد بغطاء خارجي , و أدخلت نفسها في علاقات استخباراتية و مالية و قتال عابر للحدود , و هذا التعقيد كله يدفع بالكثير من الثوار و الحياديين  , إلى اتخاذ موقف سلبي من قضيتهم تحت ذريعة أن القادم أسوأ .
هناك تصوّر مبدأي ممكن أن يشكّل أداة لتخفيف حدة هذه الهجمة و التخفيف من آثارها , تعتمد على نقطتين , و ليست فقط هذه النقاط , إذ لا بد أن يتبع ذلك مشروع نهضوي متكامل , سياسي و عسكري و اقتصادي , يفكك الألغام الفكرية و العسكرية بين السوريين و يعود بقضيتهم مرة أخرى إلى السطح و بأدوات أكثر جدارة مما سبق :

النقطة الأولى :

استخدام نفس الأسلوب في علم الاجتماع " الشياطين الشعبية , و الذعر الأخلاقي " , ضد الشخصيات السياسية و الرسمية في المعارضة التركية , و إغراق مواقع التواصل الاجتماعي بفيديوهات لعنصرية و ضياع الحقوق و نسبتها إلى تصريحات هؤلاء الأشخاص باللغتين العربية و التركية , و أظن أولى النتائج أن الحكومة التركية ستستشعر الخطر و تبدأ مرحليّاً برفع جزء من الضغط على اللاجيء السوري , و شخصيات المعارضة ستضطر لتخفيف حدة لهجتها , مع التأكيد على الشعار التركي الرسمي الذي استخدمه الأتراك " الأخوّة ليس لها حدود  " , سواء كان هذا الشعار حقيقياً أو غير ذلك , لكن هو إنتاج تركي و لا اعتراض لنا عليه .

و كذلك إغراق وسائل التواصل الاجتماعي بمجموعة من الأخبار و الفيديوهات التي تحسّن صورة السوريين في تركيا و تخفف من حدّة العنصريّة تجاه السوريين .

النقطة الثانية :

ورشة عمل يقوم بها القانونيون المتواجدون في أوروبا لبناء قضية حقوقية تخص اللاجئين السوريين في تركيا , و المطالبة بحقوقهم و تسوية أوضاعهم , بشكل مشابه لملف اللاجئين السوريين في لبنان و إن اختلفت الظروف و الوقائع .

لاحقاً , على سلطات الأمر الواقع الجلوس مع النخب الأكاديمية و الاستماع لها , و البدء ببناء مشروع نهضوي متكامل , يحقق بيئة سياسية صحيّة , و بيئة عسكريّة متماسكة , و بيئة قانونية حقيقية تتمتع بالشفافيّة , و بيئة إقتصادية يسهم فيها رجال الأعمال و الداعمين لبناء تنمية مستدامة تجعل من المحرّر منطقة قابلة للعيش والصمود , و إلا فإننا ذاهبون إلى تسويات سياسية و صراعات جديدة ناشئة لا علاقة لها بالثورة السورية , اللهم إلا تصفية الحسابات بين

 

لتلخيص الذعر الأخلاقي ، دعونا نتخطى المراحل مرة أخرى:

يتم تحديد شيء أو شخص ما وتعريفه على أنه تهديد للمجتمع و / أو الأعراف الاجتماعية وكذلك مصالح المجتمع أو المجتمع بشكل عام. ما يسمى بالشياطين الشعبية “. ”

تصور وسائل الإعلام وأعضاء المجتمع التهديد بطرق مبسطة ورمزية يمكن التعرف عليها بسرعة للجمهور الأكبر.

إن القلق العام الواسع متحمس بالطريقة التي تصور بها وسائل الإعلام الإخبارية التصوير الرمزي للتهديد.

مع القوانين أو السياسات الجديدة ، تستجيب السلطات وصانعي السياسات للتهديد ، سواء كان ذلك حقيقيًا أو متصورًا.

في المرحلة النهائية ، يؤدي الذعر الأخلاقي والإجراءات التالية لمن هم في السلطة إلى تغيير ثقافي أو رسمي في المجتمع.

نايف شعبان28-6-2024


المراجع : 
- stanley_cohen_folk_devils_and_moral_panics Book
cohen - moral panic- presentation​- 
moral panics & crime- 
- young people and moral panic
-Folk Devils and Moral Panics - 60 Second Sociology (Media)


رابط مختصر للمقال : (اضغط هنا)
 


 


نايف شعبان
 

شارك المقال

إقرأ أيضا

;

مركز ليفانت للبحوث والدراسات يتبع لمؤسسة إعلامية مستقلة التي تُبث أخبار يومية على شبكة الانترنت، وصحيفة مطبوعة تصدر من لندن وتوزع في العواصم الأوربية باللغتين العربية والإنكليزية.