الدكتور منير القادري يحاضر حول سلبيات العولمة ويبرز دور التصوف في تحصين الهوية ونشر القيم

تميز برنامج المعرض المغاربي للكتاب الذي تحتضنه حاليا مدينة وجدة المغربية بتنظيم مؤسسة الملتقى ندوة دولية حول" التصوف ونشر القيم في عصر العولمة وذلك مساء الجمعة 11 أكتوبر 2019، وفي مداخلته في هذه الندوة أبرز الدكتور منير القادري بودشيش – رئيس مؤسسة الملتقى و مدير الملتقى العالمي للتصوف، وأستاذ التعليم العالي بجامعة دوفين بفرنسا، وعضو المجلس الاوربي للعلماء المغاربة- اهتمامات مؤسسة الملتقى، المتمثلة في التصوف الذي يشكل أحد الثوابت الدينية بالمغرب، ثم الشأن الثقافي والقيمي، لما له من أهمية قصوى في توجيه حياة الانسان واستقراره وسعادته.




الدكتور منير القادري الدكتور منير القادري

وذكر القادري بتعريف الجنيد للتصوف الذي جاء فيه "من زاد عليك في الاخلاق زاد عليك في التصوف"، فالتصوف حسب الاستاذ المحاضر يشتمل على البعد الاخلاقي والبعد الاحساني، الذي يعد روح الاسلام وحقيقته، كما جاء في الحديث الشريف: "انما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق " وكما مدح الله تعالى رسوله في قوله العزيز: " وانك لعلى خلق عظيم" ، ولذلك فلا عجب ان تكون العلاقة وطيدة بين التصوف والقيم الإنسانية الكونية كقيم المحبة والسلم والتآزر والتعايش المشترك، ودعا القادري مسلمي اروبا الى ابراز حقيقة الاسلام بهذه القيم والاخلاق، من اجل تقديم صورة إيجابيه للإسلام.


فالتصوف المغربي، يضيف الاستاذ المحاضر، في ارتباطه بباقي الثوابت الدينية يمثل حصنا حصينا ضد كل الاختراقات التي تروم زعزعة استقرار البلاد ووحدته وسلامة أمنه، ويرجع الفضل الى علماء القرويين في القرن 19 الذين أسسوا للمغرب هذه الثوابت؛ الفقه المالكي، والعقيدة الأشعرية، والتصوف الجنيدي كما ورد في منظومة ابن عشر : "في عقد الاشعري وفقه مالك وفي طريقة الجنيد السالك"، هذه الثوابت التي تسهر امارة المؤمنين على رعايتها.


واكد القادري أن الفهم العميق للدين الاسلامي الحنيف ولأخلاقه ولرسالته السمحة والاقتداء بالنموذج الكامل - رسول الله صلى الله عليه وسلم -هو الكفيل بجمع شتات الامة، وتحقيق الخيرية التي اكرمها الله تعالى بها واهلها لتحمل رسالة الاسلام الى كافة الانام بالحكمة والرفق، والموعظة الحسنة، والرحمة والسلام، مستشهدا بقول الله تعالى "ادفع بالتي هي احسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كانه ولي حميم"، فبهذه الاخلاق الكريمة يؤكد الاستاذ المحاضر كان الصوفية مواطنون صالحون اينما حلوا وارتحلوا ينشرون بذور المحبة، والرحمة والرفق والاحسان، دون عنف او اكراه او قوة، بل بالقدوة الحسنة والمعاملة الطيبة، مع جميع الخلق، كما يقول الشيخ الصوفي ابن عربي : 'افعل الخير ولا تبالي في من تفعله تكن انت اهل له'، فالمطلوب حسب القادري هو المعاملة الحسنة مع المخلوقات كيفما كانت دياناتهم واعتقاداتهم واثنياتهم واصلهم كما يقول الشيخ الدباغ : 'الرحمة هي نور ساكن في الذات يقتضي الرأفة والحنان على سائر الخلق وهو ناشئ عن الرحمة الواصلة من الله'، ويبين الدكتور القادري أن ثمرة التعبد والأركان الخمسة للإسلام ينبغي ان تكون هي المعاملة الحسنة و الرحمة ، مستشهدا بقول للإمام حسن البصري يقول فيه : 'الاحسان ان تعم ولا تخص مثل الشمس والغيث والرياح'.


ويضيف المفكر المغربي أن الامة الاسلامية مطالبة بمواكبة عصرها، ومسايرة ركب التنمية الثقافي والابداعي، والاعلامي، لكن مع تجنب السقوط في التبعية العمياء للثقافة المعولمة، والاهتمام بالتأليف والنشر، والاختيار الجاد للمضامين العلمية والثقافية والحضارية، التي ينبغي ايصالها من جيل الى جيل مع تجديد اليات واساليب الايصال، وذلك باستثمار التقنيات الحديثة وتوظيفها توظيفا ايجابيا دون السقوط في الاستيلاب المعولم على حساب هويتنا وخصوصيتنا الثقافية والدينية، كما ينبغي ترسيخ الثقافة المتسمة بالتوازن بين ما هو مادي وروحي ونشر التربية على القيم وتنشئة شبابنا واجيالنا على قيم المواطنة الايجابية البنائة وقيم الابداع والابتكار والتمسك بالقيم الدينية والوطنية للتحصين والتمنيع ضد كل اشكال الاختراق الثقافي والعقدي والحضاري، كما ينبغي إرساء قيم الوسطية والاعتدال درءا لمشاكل العنف والارهاب.


ودعا الاكاديمي منير القادري الى مواجهة الطغيان المادي الجامح، في عصرنا الحالي، وما تخلفه العولمة من تغييرات في معايير وانماط السلوك، واقصاء وتجاوز البعد الروحي والاخلاقي التزكوي، بتحريك ما في الانسان من عنصر سام يسمو فوق مستوى العولمة وتحدياتها، واستخلص القادري أن أولويات العولمة هي تحقيق الربح المهول على حساب الخصوصيات الثقافية والدينية، وحذر المسلمين من الانقياد خلف هذا التيار الجارف الى حد الذوبان فيه وبالتالي فقدان هويتنا العربية الاسلامية، كما حذر ايضا من ثقافة الانعزال، ودعا المسلمين الى المشاركة الايجابية في التطورات التي تحدث من حولنا بصفتنا ورثة لقيم وحضارة عريقة، والسعي الى نشرها والمحافظة عليها جيلا بعد جيل.


ويضيف الاستاذ المحاضر أنه بفضل الاخلاق والإشعاع الروحي والوسطية والاعتدال تمكن المغرب من نشر الاسلام في ربوع افريقيا واخراجها من الوثنية ، حيث لا يزال التاريخ المعاصر شاهدا على ذلك مما رسخ اواصر المحبة والتعاون مع العمق الافريقي.


وأكد الدكتور القادري أن الاجيال الصاعدة في امس الحاجة الى التحصين الروحي والعقدي، كي نحافظ على هويتنا الدينية التي نكتسب بها معنى لوجودنا وبقائنا في ظل الرياح الهوجاء للعولمة التي لا تعترف بثقافة الاختلاف، وتروم ان تزج بنا في قولبة ثقافية موحدة تحت شعار الثقافة الشمولية الموحدة للعالم وتنسف ما عداها من الهويات الدينية والثقافية.

شارك المقال

إقرأ أيضا

;

مركز ليفانت للبحوث والدراسات يتبع لمؤسسة إعلامية مستقلة التي تُبث أخبار يومية على شبكة الانترنت، وصحيفة مطبوعة تصدر من لندن وتوزع في العواصم الأوربية باللغتين العربية والإنكليزية.